التفاصيل :
نظرة موضوعية: من الملوم في عملية
الإفراط النقدي البنك المركزي أو الحكومة؟
جاء قرار الرئيس عبد ربه منصور هادي بنقل
البنك المركزي من صنعاء الى عدن دون توفر الحد الأدنى من الشروط على إثر نفاذ
احتياطيات البنك المركزي الخارجية والتي بلغت حسب المصادر الرسمية "5.2
"مليار دولار مثبتة في العام 2014.
حيث لم تتبق حينها من هذه الاحتياطيات سواء 700 مليون
دولار موظفة في أذون الخزانة الأمريكية ونحو50 مليون دولار موظفة في بنك انجلترا
وهذه الأموال يصعب تسييلها بسهولة لدفع رواتب موظفي الدولة.
إزاء ذلك كانت قيادة البنك المركزي في صنعاء
برئاسة عوض بن همام تواجه مشكلة حقيقية في الاستمرار بصرف رواتب موظفي الدولة وهذا
ما دفع بها إلى التعاقد على طباعة 400 مليار ريال مع الشركة الروسية كدفعة اولية.
وفي ذلك مثل القرار الرئاسي بنقل البنك
المركزي وتعيين مجلس إدارة جديد تحويل عبء المشكلة إلى الإدارة الجديدة المعينة
برئاسة المحافظ القعيطي.
فالإدارة الجديدة لم تجد متاح أمامها
في اسابيعها الاولى سواء 110 مليون دولار حصلت عليها من حكومة الشرعية على عجل وجرى
بيعها للسوق عبر البنك الاهلي وتم من خلالها صرف رواتب موظفي الدولة للأشهر
المتبقية من عام 2016 في مناطق الشرعية.
أمام هذا الوضع وشعورا بالمسؤولية
الوطنية والأخلاقية أمام موظفي الدولة في ظل غياب أية خيارات أخرى متعددة أمام
قيادة البنك المركزي الجديدة وما تلاها يمكن البناء عليه مع انعدام الاحتياطيات
الخارجية للدولة لدى البنك المركزي عدن وعدم وجود أي خيارات أخرى للاقتراض من
الخارج سوى خيار طباعة النقود الذي بقي هو الخيار الوحيد ولا اقول الأمثل لأن
الناس تطالب برواتبهم ولن يسكتوا وفي هذا لا يمكن توجيه اللوم على مجلس إدارة
البنك المركزي عدن على استخدام وسيلة التمويل التضخمي لرواتب موظفي الدولة. خاصة
وأن البنك المركزي كان هو الواجهة والمسؤول أمام الناس. أما الخيار العدمي فقد كان
يتمثل في التوقف عن صرف رواتب موظفي الدولة وهذا الخيار لو حدث فكأنه لا معنى من
نقل البنك المركزي الى العاصمة عدن وسيكون له تبعات سياسية غير محمودة في ظل ظروف
الحرب وانقسام النظام السياسي والمالي بالتوازي مع ضعف تواجد مؤسسات الدولة في العاصمة
عدن.
لكن التمويل التضخمي جرى مع بدء بناء
مؤسسة البنك المركزي اليمني عدن والتي استمرت بالتتابع والتطوير حتى وصل البنك المركزي
إلى ما هو عليه اليوم من مستوى ومكانة مرموقة يحظى بالاعتراف الدولي والإقليمي
والوطني.
ومجددا فأن خيار طباعة النقود عبر
الاصدار التضخمي تمت في غياب الموارد العامة واهمها موارد النفط التي تغذي
احتياطيات البنك المركزي وكان هو الخيار الوحيد ولم يكن تفضيلا.. غير أن المشكلة
أنه استمر وقتا طويلا أكثر مما ينبغي بعد أن استمرئت الحكومة خيار طباعة النقود
دون النظر في أثارة وتبعاته أو أنه ربما كان جهلا منها لطبيعة هذه التبعات.
لذلك كان التحدي أمام قيادة البنك المركزي
في الفترة الأولى يتحدد في استمرار رفد خزينة البنك المركزي بالأوراق النقدية
والتأكد أن ما هو متوفر في الخزينة قبل
إصدارها كاف لصرف رواتب موظفي الدولة
المدنيين والعسكريين لأشهر في انتظار الدفعة الجديدة والمدد من الطبعات من الشركة
الروسية المتعاقد معها لطباعة النقود وهكذا .لكن التحدي أن النقود المصدرة التي
كانت تخرج شهريا من البنك المركزي على شكل رواتب لا تعود مجددا إلى البنك المركزي
نتيجة لتعطل الدورة النقدية وعدم اكتمالها بالتوازي مع تعطل دور البنوك؛ واستمر
الحال في وقت الذي تسارعت عملية تغيير قيادة البنك المركزي التي لم تشهد استقرارا
وهذا ما أثر على البنك المركزي وأثر سلبا على سمعته الناتج عن العديد من العوامل.
وازداد الأمر سوءا وتعاظمت الآثار
الاجتماعية والاقتصادية الناتج عن الإفراط في عملية طباعة النقود مع منع صنعاء
تداول الطبعات الجديدة في أراضيها وبالتالي جرى حصر السيولة في حيز اقتصادي صغير
متمثل في مناطق سيطرة الشرعية فأصبحت "نقود كثيرة تطارد سلع قليلة" ترتب
عليه توجيه ضربة قوية للقوة الشرعية للنقود وكانت له آثار سلبية اجتماعية ومعيشية.
ولم يتحسن الأمر مؤقتا إلا على إثر
وصول الوديعة السعودية "الاثنين مليار دولار "في العام 2018 والتي ينطبق
عليها شروط القرض.
ومع نقل نظام السويفت من صنعاء الى
البنك المركزي عدن أصبح بنك صنعاء عاجز عن إجراء أي عمليات مصرفية خارجية وتعززت
عمليات البنك المركزي الخارجية من عدن.
في هذا السياق ورغم اعتراف مؤسستي
الصندوق والبنك الدوليين بالبنك المركزي عدن وان على مضض فقد ظلت اللقاءات
الموسمية المحدودة معهما والتي تعقد عادتا في العاصمة الأردنية عمان مع ادارة
البنك المركزي عدن تتركز على طرح الاسئلة والاجابة على ما يطرح من هذه الأسئلة
والاستفسارات وجس النبض.
وللأمانة فإن تطور علاقة البنك المركزي
مع المؤسسات الدولية وتعزيز علاقته مع المنظمات والمؤسسات النقدية العربية
والدولية لم تشهد تحسنا وتطورا وتفاعلا حجما ونوعا إلا خلال الفترة الأخيرة مع
تعين مجلس إدارة البنك المركزي الاخير يناير 2022. وتطورت علاقة البنك المركزي مع
الفيدرالي الأمريكي وان كانت قد بدأت هذه العلاقة في ظل الإدارة السابقة للبنك
المركزي ولذلك أصبح التعاون الفني والمالي مع المؤسسات والأطراف الدولية
والإقليمية ذات العلاقة واسعة النطاق.
واستطرادا وعودة إلى بدء فقد توقفت
عملية طباعة النقود نهائيا مع بداية الفترة الأخيرة المشار إليها حيث لم يعد البنك
المركزي يتبع سياسة تضخمية في عملياته رغم أنه واصل إقراض الحكومة مع توقف موارد
النفط ولكن اعتمادا على موارد عمليات المصارفة التي تجري بعد كل مزاد. لكن حجم
المعروض من السيولة النقدية الذي يفوق حاجة اقتصاد الشرعية بأضعاف مضاعفة لا زال
يشكل التحدي الأكبر أمام قيادة البنك المركزي وينعكس سلبا على تدهور القوة
الشرائية للنقود وارتفاع معدلات التضخم وإشعال جذوة المضاربة. وعمليا يشكل وجود
هذا الحجم الكبير من السيولة لدى الصرافين وفي بدرومات التجار تحديا كبيرا للبنك
المركزي وسياسته النقدية بالنظر إلى آثارها على الأسعار والقوة الشرائية للنقود وسيزداد
الوضع سوءا مع ارتفاع تكلفة الشحن البحري الواصل إلى الموانئ اليمنية مع ما يحدث
من تطورات في البحر الاحمر وضعف التحويلات الخارجية.
ولهذا السبب فإن السبيل الوحيد لسحب
فائض السيولة بشكل نهائي وإعادة القوة الشرائية للعملة الوطنية يحتاج إلى توفر
احتياطيات خارجية للحكومة لدى البنك المركزي لا يقل عن ثلاثة مليار دولار تقريبا.
لكن في ظل ما هو متاح فإن الوديعة السعودية
ستؤمن سحب جزء معتبر من فائض السيولة في حالة استمرار بيع الدولار عبر المنصة
الإلكترونية اعتمادا عليها وتجديدها لاحقا وهذا مرهون بموافقة الجهة المانحة على استئناف
البنك المركزي لعملية بيع الدولار والتي قطعا ستسهم في وقف تدهور سعر الصرف وتقليل
الضغوط على الطلب على الدولار في سوق الصرف الأجنبي وفي المحصلة الحد نسبيا من
تداعيات الأوضاع الاجتماعية والمعيشية و إلى حين يحدث ذلك فإن الأمر كما اعتقد لا
يعدو عن عملية وقت لا اكثر.
د. يوسف سعيد احمد