التفاصيل :

مخاطر السيولة في البنوك التجارية والإسلامية؟!

 

يرتبط مدى حاجة البنوك للسيولة إلى توقعات السحب والإيداع.

وفي الأوضاع الطبيعية هناك من يسحب من العملاء وهناك من يودع في نفس الوقت. أما في ظروف الهلع والخوف أثناء الاضطرابات السياسية والأمنية والمالية العنيفة فإنه في مثل هذه الظروف يتجه الناس عادتا في طوابير طويلة أمام البنوك لسحب أموالهم. 

"تعرف السيولة على أنها قدرة البنك على تحويل تعهداته إلى نقد حاضر عند الطلب" وعمليا كلما زادت سرعة تحويل الأصل إلى نقد زمنيا ازدادت درجة سيولة ذلك الأصل حيث يستطيع المودع سحب إيداعاته أو جزء منها في أي وقت يرغب ويجب أن تلبى من قبل البنك التجاري في الحال ودون أي تردد.  لكن في المقابل يجب ان لا يترتب على عمليات التحويل هذه اي تكلفة يتحملها البنك تعرضه للخسائر. وهناك فرق بين سيولة الأصل وقابليته للتداول والاخيرة تعني قدرة المصرف على إعادة حسمه او خصمة قبل ميعاد استحقاقه لدى البنك المركزي أو اي بنك تجاري آخر. ولأن البنوك لا تستطيع السيطرة على رغبات العملاء لذلك:

تسعى إدارة البنوك دائما لضمان السيولة بحيث يكون النقد حاضرا في خزانها  لتلبية حاجة العملاء لكن في اليمن منذ عام 2015 واجهت البنوك أزمة سيولة خانقة كانعكاس للأزمة السياسية والاقتصادية حيث تخلفت البنوك  بل واعتذرت مرارا عن  تلبية طلبات المودعين بالحصول على ودائعهم أو جزء كبير منها يأتي ذلك  بعد أن قامت البنوك التجارية باستثمار ودائع الناس التي لديها في فترات سابقة  في أذون الخزانة وهو استثمار آمن كون الدولة هي المقترض ونسبة الفوائد مقبولة نسبيا حتى  بلغ الدين الداخلي للبنوك على الدولة عبر البنك المركزي في  النصف الثاني من 2016 (2.2) ترليون ريال وهو مبلغ ضخم اذا ما أضيف له نحو ترليون ريال استثمارات  صناديق التقاعد في السندات الحكومية والاستثمارات في الصكوك الإسلامية إضافة إلى حجم الاحتياطي القانوني للبنوك لدى البنك المركزي  وبذلك  أصبحت السيولة المتبقية  لدى البنوك مجتمعة  لا تشكل حسب بعض المصادر المسؤولة  سواء 10 في المائة فقط من إجمالي المبالغ المودعة في البنك المركزي وتلك المستثمرة في أذون الخزانة الحكومية وما لدى البنوك التجارية والإسلامية من سيولة هي تلك المرتبطة بالدورة الاقتصادية النقدية ذات العلاقة بالاستيراد والتصدير.

واستطرادا فقد تعاظمت المشكلة في وجه البنوك ايضا بعد الإجراءات الدولية التي منعت البنوك التجارية اليمنية من الوصول إلى البنوك المراسلة لها في الخارج والتي اتخذت ضد البنوك التجارية اليمنية بدواعي ممارسة البنوك عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وهذا يحدث في أي بلد في ظروف الحرب.

لكن البنك المركزي في صنعاء امتنع تحت مبرر دواعي نظرية الظروف القاهرة عن إعادة أموال البنوك أو فوائدها وانتصر له القضاء هناك الذي تحيز إلى جانب البنك المركزي رغم أن الظروف القاهرة تنطبق أيضا على البنوك التجارية والإسلامية فالجميع يعمل في ظروف استثنائية بالغة الصعوبة والتعقيد. وبهذا تعرضت البنوك إلى أزمة سيولة خانقة مما أفقدها ثقة المودعين الذين تقدموا فرادى ومجتمعين بشكاوى ضد البنوك إلى المحاكم لحرمانهم من أموالهم وسعيا منهم لاستردادها.

في هذه الأثناء اتجه الناس الميسورين في الاحتفاظ بأموالهم في البيوت بدلا عن البنوك وبرزت شركات الصرافة كبديل عن البنوك في الايداع والتحويل الخارجي وهذه القصة باتت طويلة ومعروفه.

لكن الاسوأ أن البنك المركزي صنعاء اعتمد سعرين للصرف هناك ولازال حتى الآن. فعند سداده   جزء من الديون أو الفوائد الأجلة يسعر الدولار عند 2500 ريال اي نحو أربعة أضعاف السعر الرسمي وهذا صوغ وسمح للبنوك التجارية أيضا باتباع نفس الإجراء مع المودعين. والاسوأ أيضا أن القانون رقم" 4" لسنة 1444 هجرية الذي نص على منع الممارسات الربوية وبأثر رجعي حرم البنوك تعسفا من القيام بوظائفها وشكل تهديدا وجوديا لكيانها ولعملها المستقبلي وبالتالي عاظم من الشكوك بشأن صعوبة استرداد أموال المودعين والحصول على فوائدهم المستحقة. وبذلك لم يتبق أمام البنوك من خيار سواء المتاجرة بفوارق اسعار الصرف عندما يتعلق الأمر بأموال المنظمات الدولية أو بفارق سعر الصرف بين عدن وصنعاء.

 يمكن القول إن مخاطر السيولة التي تواجهها البنوك التجارية والإسلامية ترتبط أيضا بمخاطر راس المال. فرؤوس أموال البنوك في صنعاء مجتمعه لا تزيد عن "200" مليار ريال وهي على الاحسن أصول دفترية لكن هذه المشكلات ناتجه عن عوامل بيئية خارجية ولم تكن ناتجة عن عدم التحوط من قبل البنوك نفسها أو تقصير من جهتها باتباع القواعد العلمية اللازمة سواء تعلق الأمر بالسيولة أو براس المال.

أن المدخل لمعالجة أزمة السيولة وتحسين وتعزيز رؤوس أموال البنوك وتمكينها من القيام بدورها الاقتصادي والمالي والتنموي يكمن في دعم البنك المركزي عدن للبنوك بالسيولة لتسهيل حصول المودعين على أموالهم أو الجزء المعتبر منها وإعادة الثقة بالبنوك.

غير ان إجراء كهذا يشترط السماح للطبعات الجديدة الصادرة عن البنك المركزي عدن المعترف به دوليا بالتداول بدون أية قيود ومن جهة أخرى وبالضرورة لابد من إلغاء القانون رقم "4" لعام 1444 الذي قيد عمل البنوك وحد من وظائفها ونزل وبالا عليها.

الخيار الاسهل أمام البنوك يشترط أن تقوم البنوك التجارية والإسلامية بنقل مراكزها المالية الى العاصمة المؤقتة عدن غير أن هذا الخيار للأسف رفض من قبل البنوك بضغوط من قبل صنعاء ومع المهلة المحددة بستين يوما الذي حددها البنك المركزي عدن للبنوك بنقل مراكز مقراتها من صنعاء الى عدن فإن هذا الخيار الاخير في الوقت الراهن يمثل الخيار المتاح خاصة أمام المعضلات والتحديات التي تحيط بعمل البنوك في صنعاء بعد صدور القانون رقم"4" لعام 1444 والتي أصبحت تمثل جميعها عوامل طاردة لها وتهدد استمرار وجودها. واعتقد أن إدارة البنوك التجارية والإسلامية اتساقا مع ما طلب منها لو قامت في ضوء هذا الخيار الذي وضعه أمامهم البنك المركزي عدن بدراسة تكلفة الفرصة الاقتصادية البديلة لتبين من النتائج أن الانتقال الى عدن هو الخيار الامثل.

د. يوسف سعيد احمد


التعليقات:
قم بتسجيل الدخول لتتمكن من التعليق تسجيل الدخول

شركاؤنا