التفاصيل :

الصراع الاقتصادي حول السياسة النقدية والانقسام المالي واقعاً

المقدمة

أن القرارات الاحادية الاقتصادية والتي اخذت اوجها بين شهري مارس وأبريل جعلت الملف الاقتصادي أكثر تعقيداً وبخاصة في القطاع المالي والذي يعتبر عصب حياة الدول ونقطة الانطلاق نحو احداث تنمية اقتصادية في ظل استقرار المؤشرات المالية وبالذات سعر الفائدة والعملة الوطنية.

وان السياسة النقدية تعتبر مرتكز اساسي في القطاع المالي واحتدام الصراع حولها في ظل صمت جبهات القتال قادت الى انقساماً أصبح واضحاً وجلياً بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة مليشيات الحوثي، وتتناول الورقة المحاور التالية:

1.    النشاط المالي والمصرفي بين الاعوام 2015 – 2017.

2.    بنكان وسلطتان في دولة واحدة عام 2019.

3.    محلات الصرافة وانتشارها في ظل الفوضى النقدية.

4.    إيقاف تصدير النفط من ميناء الضبة والنشيمة والغاز من بلحاف.

5.    تشريعات واجراءات متضادة وجمود النشاط البنكي.

6.    عملتين مستقلتين كلياً الانقسام الحقيقي واقعاً.

7.    أحداث البحر الاحمر وأثرها على الامدادات الغذائية.


1.  النشاط المالي والمصرفي بين الاعوام 2015 – 2017.

لقد تعرض القطاع المصرفي منذ اندلاع الحرب في 26 مارس 2015 الى ضربة قوية، حيث في عام 2016 كانت هناك أزمة سيولة كبيرة جمدت القطاع العمل المصرفي والعمل فيه وبالتالي الدورة النقدية، مما فتح الباب على مصراعيه لان تمارس محلات الصرافة الفوضى النقدية في ظل اشتداد المعارك العسكرية وخسر القطاع المصرفي الثقة والسمعة وعجز عن دفع اموال المودعين وعجزت الدولة عن دفع فوائد اذونات الخزانة للبنوك.

 وتم اعلان نقل مقر البنك المركزي اليمني الى عدن في نهاية أغسطس عام 2016 لأجل حل أزمة السيولة نتيجة شحة السيولة، طبعت الحكومة المعترف بها دولياً حوالي3ترليون ونصف ريال يمني بين عامي 2017 و2018، لتغطية العجز في تسديد رواتب القطاع المدني والعسكري.

الا ان السوفيت ظل محتكراً لدى البنك المركزي اليمني – صنعاء الى أن تم نقلة في أواخر عام 2020

وبلغ حجم النقد المتداول في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي 9.07 ترليون بنسبة 80% من اجمالي العرض النقدي 11.349 ترليون ريال حسب نشرة البنك المركزي اليمني – عدن لعام 2023 موزعة بين البنوك التجارية والاسلامية وشركات ومنشأت الصرافة في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي. حيث تستحوذ محلات الصرافة على نصيب الاسد 4.15 ترليون ريال موزعة بحسب الاتي:

بالترليون ريال يمني

ترليون العملات الاجنبية

2.15

2 مما يعادل 3.7 مليار دولار (532ريال /دولار)

ويبلغ اجمالي النقد وشبة النقد في مناطق سيطرة المليشيات 7.4 مليار دولار، واما حجم الكتلة النقدية من الريال اليمني في السوق 3.813 ترليون موزعة على النحو التالي:

بالترليون ريال يمني خارج القطاع المصرفي

3.529

اصدار قديم 1.375

اصدار جديد 778 مليار ريال

2.15

  

2.  بنكان وسلطتان في دولة واحدة عام 2019.

أصبحت اليمن تملك بنكان وسلطتان نقدية في دولة تحمل اسم اليمن، وذلك بعد منع الحوثي دخول وتداول الطبعات الجديدة من العملة الوطنية المصدرة في عامي 2017 و2018 في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي.

ومنذ بداية عام 2020 بدأ يشهد القطاع المصرفي بوادر عمليات الانفصام والانقسام، وافترقت وتقسمت السياسة النقدية من بداية منع تداول الطبعات الجديدة من العملة الوطنية واحتفاظ مليشيات الحوثي بالعملة القديمة وباعتبارها عملة التداول في مناطق سيطرتها من هنا ظهرت المضاربة القوية.

 

3.  محلات الصرافة وانتشارها في ظل الفوضى النقدية

كما ان زيادة محلات الصرافة المرخصة والغير مرخصة كانت أبرز الظواهر التي نتجت عن الانقسام المالي، حيث الربح السريع من خلال فوراق أسعار الصرف بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة الحوثي مما أدى الى بروز طبقة جديدة من التجار واختفاء طبقة اخرى.

ولقد قدرت اعداد محلات الصرافة بحوالي1488 على مستوى اليمن، وهي أكثر من حجم الاقتصاد بالدولة وانقسمت في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي في نهاية عام 2023 نحو 1122 شركة ومنشأة صرافة وفي المحافظات المحررة 366 شركة مرخصة رسيماً

كما أنها لا تخضع أنشطتها لرقابة واشراف البنك المركزي اليمني بشكل كاملاً وبخاصة التي في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي،  وأصبحت تقوم بأنشطة البنوك في قبول الودائع وفتح الحسابات بل تقوم بمهام البنوك مما أضعف الدورة النقدية وأصبحت هي المتحكم بالسيولة في الدولة واستفادت من ضعف البنك المركزي اليمني – عدن في تحقيق أرباح خيالية من اموال المودعين من خلال المضاربة بالعملة الوطنية ،حيث شهدت العملة الوطنية استقراراً في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي وأصبح كل دولار يساوي 524ريالاً يمنياً بالطبعة القديمة، بينما في المحافظات المحررة كانت المضاربة على اشدها ووصل كل دولار  يساوي 1700 ريالاً يمنياً الطبعة الجديدة بسبب دخول الشبكات التي تمتلكها مليشيات الحوثي  ووكلاء الحوالات، حيث لا رقابة عليها محلياً، مما قاد الى تدهوراً مريعاً في الاوضاع المعيشية بسبب انخفاض القوة الشرائية للعملة وواجه المواطنين موجة غلاء لا تتناسب من دخلهم .

 

4.  ايقاف تصدير النفط من ميناء الضبة والنشيمة والغاز من بلحاف

لعبت مليشيات الحوثي دوراً كبيراً في تدهور الاوضاع الاقتصادية بشكل كبير بإيقاف تصدير النفط من خلال قصف ميناء ضبة في اكتوبر عام 2022 وميناء النشيمة والتهديد المستمر بالضربات عبر الطيران المسير، مما حرم الحكومة المعترف بها دولياً من 4 مليار دولار من صادرات النفط ومن ايقاف تصدير الغاز منذ الحرب حوالي 60 مليار دولار، وفي ظل ارتفاع اسعار الغاز عالميا بسبب الحرب الروسية الاوكرانية لم تستفيد الدولة، وهذ يؤكد أن مليشيات الحوثي هي من يخنق الاقتصاد اليمني.

5.  تشريعات واجراءات متضادة وجمود النشاط البنكي

 في أغسطس عام 2021 وجه البنك المركزي اليمني – عدن البنوك التجارية والاسلامية بنقل مراكزها الى عدن ولم ينتقل اي بنك، ولم تلتزم بتوجيهات البنك المركزي اليمني – عدن وذهب القرار الى ادراج الريح، وكذلك أصدر البنك تعميماً اخرا في عام 2022 بشأن تنظيم اعمال الصرافة رقم 58 لسنة 2022 ولم يتنفذ وتم التراجع عن تطبيقه، واصدر البنك المركزي اليمني – صنعاء في 30-3-2023 قرار موجة الى كافة البنوك اليمنية تعميم رقم 11 لسنة 2023 لمنع التعاملات الربوية وفي تعميماً اخر منع الاستثمارات الخارجية للبنوك بنسبة 30%.

في مارس 1 أصدر البنك المركزي اليمني – صنعاء تعميم بمنع التعامل مع محلات صرافة في المناطق المحررة وهي شركتان البسيري والقطيبي، وكردة فعل قام البنك المركزي اليمني – عدن بإصدار تعميم رقم 159 بمنع التعامل مع خمسة بنوك بتاريخ 19 مارس 2024 وهي حسب الاتي:

1.    بنك التضامن.

2.     بنك اليمن والكويت.

3.    بنك الامل للتمويل الاصغر.

4.    مصرف اليمن والبحرين الشامل.

5.     بنك الكريمي للتمويل الاصغر الاسلامي.

     ثم تراجع البنك المركزي اليمني –صنعاء عن قراره بحسب التعميم رقم 14 لسنة 2024وجاءت ردة الفعل في تراجع البنك المركزي اليمني – عدن ايضاً عن التعامل مع الخمسة البنوك، ومن دواعي قيام البنكان بهذه الاجراءات وهي تفعيل الشبكة الموحدة للحوالات الداخلية من قبل البنك المركزي اليمني - عدن بين مناطق مليشيات الحوثي والمناطق المحررة من أجل مكافحة غسيل الاموال وكذلك تمويل الارهاب لمعرفة مصدر وتجاه تلك الحوالات والتعاملات عبر الوكلاء.

وفي نهاية مارس 2024 أعلن البنك المركزي صنعاء سك عملة معدنية مما خلق ارباك في القطاع المالي وجاء الرد بقرار اخر من البنك المركزي اليمني – عدن باعتبارها عملة مزورة صادرة من جه غير معترف بها دولياً

أصبح القطاع المالي حلبة الصراع بين صنعاء وعدن، مما خلق تشوهات واضحة في العمليات المالية محلياً بل وخارجياً.

انعكس ذلك في التعامل مع العالم الخارجي وبخاصة في التجارة الدولية وبخاصة بعد اصدار البنك المركزي اليمني – عدن قراراً رقم 17 لعام 2024 بنقل مراكز البنوك التجارية والاسلامية والتمويل الاصغر الى عدن واعطى مهلة 60 يوماً، وانتهت المهلة ول يلتزم أي بنك بنقل مركزه لعدن لحد الن بعد انقضاء نصف الفترة وماذا بعد؟ اليس هناك انقساماً نقدياً.

6.  عملتين مستقلتين كلياً الانقسام الحقيقي واقعاً

 من بداية أبريل 2024 كان نهاية الانقسام التام بقيام مليشيات الحوثي بسك عملة معدنية غير قانونية جعل من الحكومة المعترف بها دولياً تجعلها غير قانونية ويمنع تداولها في المناطق المحررة.

أن هذه الانقسامات تعمق الانفصام التام بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة مليشيات، مما يجعل هناك اقتصادان مختلفان مما يقودنا الى واقعاً صعباً الى الرجوع الى الوراء في حالة حصول تسوية سياسية ويقطع الطريق امام اي تسوية او سلام لان الاقتصاد هو سياسة الدولة

4.  أحداث البحر الاحمر وأثرها على الامدادات الغذائية

 كان لأحداث البحر الاحمر نصيباً من المعركة الاقتصادية، حيث قام مليشيات الحوثي باعتراض السفن التجارية في المياه الدولية في خليج عدن والبحر الاحمر عبر المسيرات الدرونز وكذلك الصواريخ الباليستية تحت مبرر الدفاع عن غزة وهذا لم يحدث منذ عام 1945 بينما أثارها انعكست على اليمن في ارتفاع تكاليف الشحن وزيادة المخاطر صول السفن الى الموانئ اليمنية وصنفت من الموانئ الاعلى خطورة عالمياً.

كذلك انعكس الامر على مصر في انخفاض عائدات قناة السويس بنسبة 40% وتحول السفن التجارية وبعض الخطوط الدولية البحرية الى رأس الرجاء الصالح والبحث عن بدائل اخرى، وبلغت السفن التي تحولت حوالي 2000 مما زاد من الضغوط المالية على المناطق المحررة وكذلك المواطنين في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، وبخاصة ارتفاع أسعار المواد الاساسية نتيجة عدم الاستقرار للعوامل الجيوسياسية والتي خلقتها مليشيات الحوثي باليمن في الاقليم.

حيث أصبحت مناطق الحوثي منذ 12 يناير 2024 تتعرض الى قصف امريكي بريطاني

 


يوضح الجدول رقم (1) أعلاه الارتفاعات في اسعار الغذاء والوقود بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة مليشيا الحوثي مع الاخذ في الاعتبار اختلاف سعر الريال اليمني بين المناطق بحسب السيطرة.

 

شكل رقم (1) انخفاض نقل الحاويات.




المصدر: معهد كيل.

الشكل رقم (1) يوضح الانخفاض في الحاويات عبر البحر الاحمر.

من خلال السرد السابق   نستنتج الاتي:

1.    محاولة مليشيات الحوثي العب في الملف الاقتصادي أكثر من الملف السياسي.

2.    تجفيف موارد الحكومة المعترف بها دولياً من خلال شن الحروب الاقتصادية عبر محلات الصرافة، استيراد الغاز من الخارج وضرب منشأت تصدير النفط، وأحداث البحر الاحمر.

3.     الانقسام التام في السياسة النقدية بعد الفاتح من ابريل 2024.

4.    افتعال الازمات الاقتصادية في مناطق الحكومة المعترف بها دوليا، من قبل مليشيات الحوثي

5.    استخدام محلات الصرافة من قبل مليشيات الحوثي عبر شبكات التعاملات المالية لتهريب الاموال والمضاربة وتقويض القطاع المالي.

6.    ضعف وعدم تطبيق تعليمات وتعميمات البنك المركزي اليمني – عدن جعل مليشيات الحوثي تتمادي.

7.    اعتماد الحكومة المعترف بها دولياً على المساعدات المالية من قبل السعودية والدول المناحة والتي لا تعتبر حلا ًجذرياً للازمة المالية التي تعيشها الحكومة.

8.     تراجع مستوى الخدمات الاساسية في المناطق المحررة من كهرباء وصحة ومياه وصرف صحي وتعليم.

9.    إعادة مليشيات الحوثي الى قائمة المنظمات الارهابية وهل تستغل الحكومة المعترف بها دولياً ذلك؟

 

المراجع:

-      الاستحواذ الحوثي على قطاع الصرافة، الصرافة اداة حرب، يمن رجن، مبادرة استعادة،2023.

 Lu, ch and Gramer, R, Biden has no good options in Yemen, 12 January 2024 -

  ACAPS ANALYSIS HUB, Import flow following the escalation in the Read Sea,19 January 2024 -


التعليقات:
قم بتسجيل الدخول لتتمكن من التعليق تسجيل الدخول

شركاؤنا