التفاصيل :
صناعة الاسمنت.. الضرورة والحاجة والامكانية
ضرورة تشجيع صناعة الاسمنت
صناعة الاسمنت صناعة استراتيجية توليها الدول اهتماما وتشجيعا خاصين وتعمل على تهيئة المناخ اللازم لجذب رؤوس الاموال المحلية والأجنبية من خلال تقديم عدد من الحوافز والإعفاءات والضمانات، وذلك لدور صناعة الاسمنت الهام في النهوض بالاقتصاد الوطني باعتبارها صناعة ثقيلة تنتج الاسمنت بكافة أنواعه واستخداماته التي تدخل في عملية التنمية في جميع القطاعات خاصة ما يتعلق بإقامة البنية التحتية وإقامة المجتمعات العمرانية والسكانية والمدن الجديدة وغيرها.
الحاجة لصناعة الاسمنت
وفي اليمن من المتوقع ان تتطلب مرحلة اعادة اعمار ما دمرته الحرب والأضرار الناتجة عن فشل التنمية الاقتصادية وايقاف مشروعات التنمية خلال فترة الحرب الى كميات كبيرة جدا من منتجات الاسمنت تفوق بكثير الطاقة الإنتاجية لمصانع الاسمنت القائمة حاليا.
ويتوفر الاسمنت حاليا من عدة مصادر محلية وخارجية، فعلى المستوى المحلي توجد عدد من مشروعات ومصانع الاسمنت وهي:
- مصانع انتاج الاسمنت.
- مصانع طحن الاسمنت.
- مصانع تعبئة الاسمنت.
وكل تلك المشروعات والمصانع لا تستطيع تغطية الطلب وبالتالي يتم استيراد الاسمنت المعبأ لتغطية احتياجات السوق وبنسبة قد تصل الى أكثر من 40% من الاستهلاك المحلي.
واثرت الحرب سلبيا على صناعة الاسمنت حيث تم تعطيل بعض المصانع ومنها مصنع اسمنت البرح ومشروع مصنع باتيس والتأثير السلبي على انتظام الانتاج في بقية مصانع الانتاج الاخرى.
الحاجة الى الاستثمار في صناعة الطحن والتغليف
ان تراجع الطلب حاليا على الاسمنت هو ظاهرة مؤقتة ناتجة عن:
- توقف مشاريع الاستثمار الحكومية وبالتالي تراجع الطلب.
- هروب رأس المال الى الخارج بسبب بيئة الاستثمار الطاردة.
- القيود المفروضة على مشاريع البناء الخاص وتعقيد اجراءات منح التراخيص.
- تراجع النشاط الاقتصادي ووقف صادرات النفط والغاز.
- انتشار الفقر والمجاعة وتدهور الوضع الإنساني.
ان تلك العوامل قد تسببت في ضعف الطلب مؤقتا في السوق وهو ما أثر على تسويق مصانع انتاج الاسمنت وهي صعوبات تسويقية مؤقتة.
ان دراسة البدائل المفيدة اقتصاديا لمشاريع صناعة الاسمنت تؤكد الحاجة الى كل انواع الصناعة جنبا الى جنب في تكامل لسد حاجة السوق التي سوف تزداد في المستقبل القريب.
البدائل المتاحة للاستثمار في صناعة الاسمنت
ان الحاجة ماسة لتنويع صناعة الاسمنت لما لذلك من اهمية وخاصة
التحكم بالجودة
والتي تعد أحد المزايا التنافسية لشركات صناعة الاسمنت بالإضافة إلى الاسعار.
ولكن عملية الالتزام بالجودة وفقا للمعايير العالمية عملية ليست بالسهلة ففي مصانع الانتاج تتعامل الشركات في ظروف وعوامل جيولوجية معقدة حيث تحتوي مصادر المواد الخام على بعض العناصر الغير مرغوب فيها مثل القلويات والكبريتات والتي تؤثر سلبا على جودة الكلنكر والذي بدوره يؤثر في جودة منتج الاسمنت.
بينما في حالة انتاج الاسمنت في مشاريع الطحن والتغليف يستطيع المستورد انتقاء الكلنكر ذو الجودة العالية من بين عدة منتجات مختلفة الجودة في السوق العالمية وتجنب استيراد الكلنكر ذو الجودة المنخفضة وذلك بهدف انتاج اسمنت ذو جودة عالية جدا.
وبالإضافة إلى أفضلية مشاريع طحن وتعبئة الاسمنت من ناحية الجودة فهناك امكانية لعرض منتج بسعر تنافسي في السوق المحلية والدليل على ذلك هو قيام مصانع انتاج الكلنكر والاسمنت الكبيرة باستيراد الكلنكر من الأسواق الخارجية بسبب ارتفاع الكلفة محليا.
لا تمييز في مشاريع صناعة الاسمنت
اما من ناحية الاستثمار فلا يمكن التمييز بين مصانع الانتاج ومصانع الطحن والتغليف من حيث الاهمية وتوفير فرص عمل وتوفير العملات الاجنبية وخدمتها للمجتمع ودورها الهام في رفد ميزانية الدولة بالموارد المالية من خلال دفع الضرائب والجمارك وغيرها من الرسوم.
افضليات واضحة
وهناك افضليات أخرى لمصانع الطحن فهي لا تؤدي إلى خروج العملات الاجنبية بقيم هائلة كما انها تستخدم تكنولوجيا حديثة صديقة للبيئة وتستخدم عمالة اجنبية محدودة وتساعد في تدريب العمالة المحلية على أحدث التكنولوجيا في مجال صناعة الاسمنت.
وبالتالي فأن مصانع الطحن والتغليف هي استثمارات وطنية تساهم في التنمية الاقتصادية وتحقق قيمة مضافة عالية مقارنة بغيرها من المشاريع الاستثمارية.
الاثر البيئي
تسهم مصانع الطحن والتغليف إلى تجنب الآثار البيئية لانبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون حيث تعد عملية انتاج الكلنكر في مصانع انتاج الاسمنت من أكثر انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بالعالم حيث ينبعث من عملية التكسير الحراري لكربونات الكالسيوم وعملية احراق الوقود بالفرن على الشكل التالي، فمقابل انتاج كل طن كلنكر ينبعث حوالي 850 كجم من ثاني اكسيد الكربون والذي يؤدي إلى الاحتباس الحراري والامطار الحمضية وتغير المناخ. حيث ترتفع درجة حرارة العالم حاليا بشكل أسرع من أي وقت مضى في التاريخ المسجل. وبمرور الوقت، تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تَغيُّرات في أنماط الطقس واضطرابات في توازن الطبيعة المعتاد. وهو ما يشكل مخاطر عديدة على البشر وجميع أشكال الحياة الأخرى على الأرض، لذا اتجهت بعض الدول المتقدمة إلى تصدير صناعة انتاج الكلنكر في البلدان المتخلفة واستيراد الكلنكر من تلك الدول لطحنه في البلدان المتقدمة لتجنب الاضرار البيئية لانبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون مصاحبا لغازات الكبريت والنيتروجين.
ايضا مصانع الطحن تساعد على الحد من اهدار مصادر الثروة الطبيعية.
السوق خير حكم
ان المنافسة بين مختلف اشكال مشروعات انتاج الاسمنت هي دافع مهم للتطوير والتحديث وضمان لتوفير السلع بجودة عالية وسعر منافس وتساعد على بناء مشروعات صناعة وطنية منافسة تساعد على الحد من الاستيراد من الخارج وبالتالي تعزيز التنافسية للمنتج المحلي امام المنتجات الاجنبية.
ان الوضع الاقتصادي والسياسي والامني الراهن لا يشجع على اقامة مصانع انتاج بسبب تكاليف الطاقة وغيرها حيث تنتج كلنكر بأسعار اعلى من اسعار السوق العالمية مما يدفعها الى استيراد كلنكر من الخارج.
ندعو السلطات الى تشجيع كل مشاريع صناعة الاسمنت والعمل وفق قانون الاستثمار في سهولة منح التراخيص والعمل بجدول الإعفاءات المقرة وعدم اتخاذ اي اجراءات جديدة تحد من تطوير وديمومة تطور هذا القطاع الهام.
د. حسين الملعسي
رئيس مؤسسة الرابطة الاقتصادية