شركاؤنا
التفاصيل :
تمهيد
منذ عام 2015 واليمن تعيش ظروف سياسية غير طبيعية بسبب الحرب، وتبعاتها الاقتصادية والامنية والتي ادت لتأثر كافة مؤسسات الدولة سواء المؤسسات الخدمية أو الايرادية وحتى الامنية والعسكرية، ولم يستثني ذلك المؤسسات المالية والنقدية فأصبح هناك انقسام مالي ونقدي فهناك حكومتان ووزاراتي مالية وبنكين مركزيين كل منهم يعلن انه البنك الشرعي، وفي وسط كل ذلك تاهت البنوك التجارية والاسلامية في فلك هذه الانقسامات والتي ضربت اسس الادارة المالية والنقدية، ففقدت السيطرة على اصولها واستثماراتها خصوصا في اذون الخزانة واحتياطاتها في البنك المركزي، مع عزوف العملاء عن التعامل مع هذه البنوك وبروز محلات وشركات الصرافة والصرافين كبديل لهذه البنوك في تأدية وظائفها.
كل ذلك اثر على قدرة البنوك في الالتزام بتسديد حقوق المودعين سواء بالعملة المحلية أو الصعبة مع انهيار سعر الصرف المحلي مما سبب خسائر فادحة للمودعين الذين لم يخسروا فقط قيم ايداعاتهم المقومة بالعملة المحلية وبل حتى لم يستطيعوا سحبها من البنوك.
وفيما يلي سيتم استعراض ملخص لأبرز النقاشات التي دارت في حلقة النقاش المخصصة لمناقشة هذا الموضوع تجميد ارصدة المودعين في البنوك اليمنية وتحليل اسباب هذه المشكلة واثارها مع اقتراح حلول قابلة للتطبيق.
المحور الأول: مشكلة تجميد اصول المودعين:
منذ عام 2011 وبروز عدم الاستقرار السياسي في اليمن عانت اليمن من عجز مستمر في الموازنة نتيجة لانخفاض ايرادات الحكومة من بيع النفط نتيجة للهجمات المستمرة على هذا القطاع والاضطرابات السياسية ، مما دفع الحكومة للاستدانة من البنك المركزي واصدار البنك المركزي لسندات اذون الخزانة ، وهنا سارعت البنوك التجارية اليمنية للاستثمار في هذه السندات وبجزء كبير من حجم استثماراتها وذلك من خلال استغلال إيداعات المستثمرين لشراء هذه السندات، لتأتي الحرب الحالية عام 2015 ويتأزم وضع البنك المركزي ويتم تدريجيا تقسيمه ليعلن عن عدم قدرته على تسديد قيمة السندات أو فوائدها وهو ما أدى لانخفاض السيولة المالية لدى البنوك وعدم قدرته على الوفاء بالتزاماته اتجاه المودعين مع انهيار اسعار الصرف للعملة المحلية.
وهو ما ادى إلى فقدان المودعين والمواطنين بشكل عام لثقتهم في النظام المصرفي بشكل عام، وتعالي اصوات المودعين الذين يطالبون بأموالهم المجمدة وفوائدهم المتوقفة وساهم مع العوامل الاخرى لانهيار العلمة وارتفاع الاسعار وتأكل قيم ايداعاتهم.
وقد زاد من حجم المشكلة ما اصدرته الحكومة غير المعترف بها من قرار بإيقاف التعاملات الربوية وهو ما يعني تنصلها من أي التزامات اتجاه اموال المودعين.
المحور الثاني: أثر تجميد الودائع عل العملاء المودعين
1- طبيعة
العلاقة بين البنك وعملائه تكون مبنية اساسا على اتفاقية فتح الحسابات المختلفة والتي
تعطي للعميل المودع الحق المطلق في السحب من رصيده متى شاء (خاصة الحسابات الجارية)
وعلى البنك التنفيذ الفوري.
2- أكثر من سبع سنوات لم يتمكن العملاء من سحب ارصدتهم وبذلك تكون البنوك انتهكت وخرقت ابسط قواعد واسس التعامل والعلاقة البنكي بينها وبين المودعين.
3- فقد الريال أكثر من ثلاثة ارباع قيمته وبالتالي تهالكت قيمة الريال الفعلية والقوة الشرائية له (سعر الصرف للريال 1200 ريال للدولار في المتوسط في العام م2022 مقارنة 215 ريال للدولار في العام 2016م)، مما أدى الى ان تصبح قيمة الأموال للمودعين اقل بكثير مما كانت عليه سابقا (أي ان المليون ريال يمني في العام 2016م تساوي ما يقارب 4600 دولار اصبحت حاليا تعادل 830 دولار فقط)
4- فقدان العملاء لفرص استثمارية وربحية عديدة.
5- انعدام الثقة للبنوك التجارية لدى المودعين وزيادة الاقبال على الايداع في اماكن الصرافة عوضا عن البنوك.
6- صعوبة اعطاء البنك المركزي عدن أي معلومات تخص الودائع بسبب ما يتم ممارسته من انتهاك من قبل الجهة المسيطرة
7- ضياع حقوق العملاء باختلاف فئاتهم، وعدم القدرة على مواجهة ابسط التزاماتهم.
8- عدم امكانية الحصول على اي قروض استثمارية بضمان الودائع.
9- عدم امكانية السحب على المكشوف للتجار والمستثمرين.
10- حرمان العملاء من العوائد (الفوائد) المحققة من الودائع.
11- ازدياد وقع الاثر عل اصحاب الدخول الثابتة والمتوسطة.
12- ارتفاع سعر الصرف الذي يهز الاقتصاد والمجتمع كاملا علما بإن الجزء الأغلب من السلع الاستهلاكية مستوردة ومسعره بسعر الصرف الاجنبي أي أن أي تحرك في سعر الصرف ينعكس على اسعار السلع.
13- انعكاس كافة الاثار السابقة على الاقتصاد والمجتمع ككل.
المحور الثالث: الحلول المقترحة لحل مشكلة تجميد اموال المودعين في البنوك اليمنية:
أولا وقبل الخوض في هذه الحلول لابد أن يراعى عند وضع الاقتراحات للحلول عدة امور منها:
1- أن تكون
حلول غير تضخمية ولا تسبب في تفاقم الاسعار وانهيار أكبر للعملة.
2- أن تكون
قابلة للتطبيق.
3- محددة الإجراءات وجهات التنفيذ.
4- ربطها بإجراءات تشريعية قانونية.
وفيما يلي بعض اقتراحات الحلول لمشكلة تجميد اموال المودعين في البنوك اليمنية:
1- لا بد من تحديد القيمة الفعلية الدقيقة لحجم اموال المودعين في البنوك اليمنية.
2- لا بد من تحديد حجم الاموال المستثمرة في اذون الخزانة الخاصة بالبنوك والمستثمرين.
3- ايقاف التمويل التضخمي وتنفيذ اجراءات لحشد الموارد واقرار برنامج مزمن لإعادة الاستقرار النقدي.
4- الاتفاق بين الحكومة ممثلة برئاسة الوزراء والمالية من جهة والبنك المركزي من جهة والبنوك التجارية من جهة وكبار المستثمرين من جهة على تحديد سعر صرف تسديد قيمة الاذون (لضمان عدم تضرر أي طرف) مع التزام الدولة بتسديد ما عليها للبنك المركزي تدريجيا على أن يقوم البنك المركزي بتسديد الجزء الأكبر منها للبنوك والمستثمرين أيضا تدريجيا بطرق غير تضخمية على أن تلتزم البنوك بالبدء بالإفراج عن أموال المودعين (مع ايقاف احتساب فوائد أذون الخزانة لفترة ٥ سنوات غير قابلة للتمديد).
5- تشجيع البنك المركزي في عدن للبنوك التجارية على الالتزام بشروطه ومن بينها نقل مراكز عملياتهم الى عدن، وذلك مقابل التزام البنك المركزي بتسديد جزء لا يستهان به من الأموال المحتجزة لديه لصالح هذه البنوك على ان تقوم هذه البنوك بصرف اموال المودعين لديها، على ان يتم تخصيص جزء من المنحة السعودية الاماراتية البالغة 2 مليار دولار لهذا الامر (بحدود 340 مليون دولار) وهو ما سيكون له اثار ايجابية على الاقتصاد وسينعكس على انخفاض اسعار السلع نتيجة ارتفاع قيمة الريال وتشكيل ضغط على السلطة النقدية في مناطق سيطرة الحوثيين وسحب البساط منهم واستعادة الثقة في البنوك والمؤسسات المالية وسيعمل على اعادة حشد الموارد المتواجدة في السوق في القنوات البنكية واعادة الدورة النقدية الى مسارها.
6- على البنوك التجارية التعامل بشفافية مع الودائع الموجودة لديها او تلك التي يتم ايداعها والابتعاد عن التعقيدات اثناء عمليتي الايداع او السحب ومنع بيع الشيكات ومحاسبة من يقوم بذلك.
7-على البنوك التجارية القيام بدورها المصرفي كما ينبغي وفقا للقانون والنظام، وسحب البساط عن شركات الصرافة (والتي تعتبر امرا صعبا كون اغلب الصرافين تحولوا الى بنوك وبتشجيع من البنك المركزي).
اعداد :
د. سامي محمد قاسم
رئيس قسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة عدن
د: نهى عمر العبد شرويط
محاضر في قسم العلوم المالية والمصرفية كلية الاقتصاد والعلوم السياسة جامعة عدن.